المقال

(الإزار المخيط) لا يجوز على المذاهب الأربعة |
بسم الله الرحمن الرحيم (الإزار المخيط) لا يجوز على المذاهب الأربعة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد المقصود بالإزار المخيط: الإزار الذي يخاط جانباه ويوضع في أعلاه تِكَّة. و ليس في دواوين المذاهب الفقهية ما يتحدث صراحة عن (الإزار المخيط) بصفته التفصيلية: (له تكة ومخيط الطرفين)، بمعنى أنه لم يذكر بوصفه المحدد ثم يبين حكمه. والسبب في عدم ذكره ـ في تقديري ـ واضح وهو أنه ليس إزارا أصلا ، بل هو بهذا التغيير أصبح من ألبسة العرب المعروفة؛ ولهذا لم يتحدثوا عنه. ويؤكد هذا أنهم تحدثوا عن صور أقل منه بكثير مثل زره بالشوكة : قال النووي : (قال الشافعي في الإملاء : وإن زر الإزار أو شوكه أو خاطه لم يجز.وهذا الذي قاله متفق عليه، قال أصحابنا فإن خالف لزمته الفدية لما سبق من الدليل ). المجموع شرح المهذب (7/ 257) وقال في موضع آخر : (لم يجز لأنه يصير كالمخيط) المجموع شرح المهذب (7/ 249) وجاء في شرح منتهى الإرادات : (قال أحمد في محرم حزم عمامته على وسطه: لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض (إلا إزاره) فله عقده لحاجته لستر عورته) شرح منتهى الإرادات (1/ 540) فذكرهم للتخليل بشوكة والعقد وغيرها من التفصيلات مع عدم ذكرهم للخياطة الكاملة التي تكون مع التكة يدل على أنهم لم يعتبروه إزاراً، إذ يبعد أن يتركوه ويذكروا ما هو دونه بكثير. وبعض أهل العلم يرى أن الفقهاء ذكروا هذا النوع؛ لأنه داخل في جملة المخيط الممنوع، فهو ـ مثلا ـ داخل في قول ابن عبد البر: (لا يجوز لباس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم).وهكذا في عبارات الفقهاء التي تشبه هذه العبارة يدخل فيها الإزار المخيط ، وكما أسلفت عدم تنصيصهم عليه مع ذكرهم لما هو دونه بكثير، يقوي أنهم يرونه داخلا في اللباس المخيط. وما سبق كاف في أن الفقهاء من المذاهب الأربعة لا يجيزون الإزار المخيط. لكن مع ذلك سننقل عن المذاهب الفقهية الأربعة ما يفهم منه منع الإزار المخيط كما يلي : أولا مذهب الحنفية : تقدم أن الكلام سيكون عن (الإزار المخيط) بصفته التفصيلية: (له تكة ومخيط الطرفين). والذي في كتب الحنفية يدل على جواز التكة ، ونصوصهم كثيرة في هذا : قال الكاساني: (وكذا إذا لم يجد إزاراً وله سراويل, فلا بأس أن يفتق سراويله خلا موضع التكة ويأتزر به ; لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار) بدائع الصنائع (2/184) (قال في القاموس : التكة بالكسر رباط السراويل والجمع تكك ) وقال في المبسوط : (إذا ائتزر فلا ينبغي له أن يعقد إزاره على نفسه بحبل أو غيره فقد روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قد شد فوق إزاره حبلا فقال: ألق ذلك الحبل ويلك»، وكذلك يكره له أن يخل رداءه بخلال؛ لأنه لا يحتاج إلى تكلف في حفظه على نفسه، ولكنه مع هذا لو فعل لا شيء عليه؛ لأن المحظور عليه الاستمتاع بلبس المخيط، و لم يوجد ذلك) المبسوط للسرخسي (4/ 127) وقال أيضا : (وقد ذكر هشام عن محمد - رحمهما الله تعالى - أنه إذا لم يجد الإزار ففتق السراويل إلا موضع التكة فلا بأس حينئذ بلبسه بمنزلة المئزر وهو نظير ما ورد به الأثر فيما لم يجد المحرم نعلين قطع خفيه أسفل من الكعبين ليصير في معنى النعلين) المبسوط للسرخسي (4/ 126) وأما خياطة طرفي الإزار فكلامهم يدل على منعه: جاء في حاشية ابن عابدين : (قوله أي كل معمول إلخ) أشار به إلى أن المراد المنع عن لبس المخيط وإنما خص المذكورات لذكرها في الحديث وفي البحر عن مناسك ابن أمير حاج الحلبي أن ضابطه : لبس كل شيء معمول على قدر البدن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة أو تلزيق بعضه ببعض أو غيرهما ويستمسك عليه بنفس لبس مثله إلا المكعب. اهـ. قلت: فخرج ما خيط بعضه ببعض لا بحيث يحيط بالبدن مثل المرقعة فلا بأس بلبسه كما قدمناه) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 489) ونحوه في النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 69) ، وغيرهما وهذا الوصف: (لبس كل شيء معمول على قدر البدن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة) إذا تأملته تجده ينطبق على الإزار المخيط، فهو معمول على قدر بعض البدن وهو الجزء السفلي بحيث يحيط به بخياطة ويستمسك عليه بنفس لبس مثله. وكذلك تأمل قوله : (فخرج ما خيط بعضه ببعض لا بحيث يحيط بالبدن مثل المرقعة فلا بأس بلبسه ) فالجائز من الخياطة هو نحو الترقيع فقط ،أما وصل الأطراف فلا يجوز لأنه لو جاز لم يكن في استثناء المرقع فائدة. وعلى ضوء ذلك تفهم نصوص الحنفية الأخرى فمثلا قول الكاساني: (وكذا إذا لم يجد إزاراً وله سراويل, فلا بأس أن يفتق سراويله خلا موضع التكة ويأتزر به ; لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار) بدائع الصنائع (2/184). مقصوده أن السروال بعد الفتق يصبح إزارا معتادا(صار بمنزلة الإزار) فهو ليس مخيط الطرفين، وهذا المحمل يحصل به التوفيق بين كلامهم ،بحيث لا يكون فيه تعارض، بل يفهم مجتمعاً. ولو تأملنا العبارة من أولها لتبين لنا ذلك يقول الكاساني : (ولو لم يجد رداء وله قميص فلا بأس بأن يشق قميصه ويرتدي به لأنه لما شقه صار بمنزلة الرداء وكذا إذا لم يجد إزارا وله سراويل فلا بأس أن يفتق سراويله خلا موضع التكة ويأتزر به لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار ) فالمقصود بشق القميص بحيث لا يخيط طرفيه، وكذلك السراويل. والخلاصة : أن الإزار المخيط بصفته التفصيلية لا يجوز عند الحنفية. ثانيا مذهب المالكية : المالكية صرحوا بمنع التكة، وكذلك صرحوا بمنع زر الإزار، والخياطة أعظم من الزر. قال أبو عبد الله المواق المالكي:(ولا يشد فوق مئزره تكة ولا خيطا) التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 203) قال الخرشي :(يحرم على الرجل بسبب الإحرام أن يلبس المحيط ... ولا فرق في حرمة لبس المحيط بين أن يكون محيطا بكل البدن أو ببعضه ولا فرق بين ما أحاط بنسج أو زر يقفله عليه، أو عقد يربطه أو يخلله بعود)شرح مختصر خليل للخرشي (2/345) وقوله :(ولا فرق في حرمة لبس المحيط بين أن يكون محيطا بكل البدن أو ببعضه) مهم ويبين مقصود الفقهاء بقولهم على قدر البدن. قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير :(بل (وإن) كان محيطا (بعقد أو زر) كأن يعقد طرفي إزاره، أو يجعل أزرارا أو يربطه بحزام، (أو خلال) بعود ونحوه) بلغة السالك لأقرب المسالك (2/ 75) والحاصل : أن المالكية نصوصهم صريحة في المنع. ثالثاً مذهب الشافعية : الشافعية صرحوا بجواز وضع التكة قال الشيرازي : (وإن جعل لإزاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر به جاز) المهذب (1/ 381) وعلل البجيرمي الجواز بقوله :(وهذه الخياطة لا تضر لأنه ليس محيطاً بالبدن بسببها بل هي في نفس الإزار) في حاشيته (2/147) لكن مع ذلك الإزار المخيط لا يجوز عند الشافعية ؛لأنهم صرحوا بمنع زر الإزار أو شوكه أو خياطته. قال النووي : (قال الشافعي في الإملاء : وإن زر الإزار أو شَوَّكَهُ أَوْ خَاطَهُ لم يجز.وهذا الذي قاله متفق عليه، قال أصحابنا فإن خالف لزمته الفدية لما سبق من الدليل ) المجموع شرح المهذب (7/ 257) وقال في موضع آخر : (لم يجز لأنه يصير كالمخيط) المجموع شرح المهذب (7/ 249) وهذا ـ كما هو ظاهر ـ نصٌ صريح على المنع. رابعاً الحنابلة : كلام الحنابلة يدل على منع وضع التكة : قال في المبدع : (ولا يعقد عليه منطقة، ولا رداء، ولا غيره) لقول ابن عمر لمحرم: "ولا تعقد عليه شيئا ". رواه الشافعي، وروى هو، ومالك أنه كان يكره لبس المنطقة للمحرم، ولأنه يترفه بذلك أشبه اللباس. وظاهره لا فرق في ذلك بين ربطه بالعقد أو بشوكة أو إبرة أو غير ذلك، فإن فعل، أثم من غير حاجة وفدى، وكذا إن كان معها كوجع ظهر ونحوه، نص عليه) المبدع في شرح المقنع (3/ 131) قال الرحيبانى : (إلا (منطقة وهميانا فيهما نفقة مع حاجة لعقد) ، وهي أن لا يثبت الهميان أو المنطقة إلا بالعقد، لقول عائشة: أوثق عليك نفقتك، ولدعاء الحاجة إلى عقده، فجاز كعقد الإزار، فإن ثبت بإدخال السيور بعضها في بعض، لم يجز عقده، لعدم الحاجة، وكما لو لم يكن فيه نفقة) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (2/ 330) تبين مما تقدم أنه لا يجوز شد المنطقة إلا للنفقة ، وإلا فدى، وأذا منعوا المنطقة فالتكة من باب أولى كما لا يخفى. كذلك منعوا شد وسطه بالمنديل إذا عقده والتكة أبلغ من ذلك بلا شك : قال ابن قدامة : (ويجوز أن يعقد إزاره عليه ؛ لأنه يحتاج إليه لستر العورة فيباح ، كاللباس للمرأة . وإن شد وسطه بالمنديل ، أو بحبل ، أو سراويل ، جاز إذا لم يعقده . قال أحمد ، في محرم حزم عمامة على وسطه : لا تعقدها . ويدخل بعضها في بعض) المغني (5/ 124) بل الحنابلة لا يجوزون عقد الإزار إلا لحاجة، فكيف بوضع التكة. قال في منتهى الإرادات : (ولا يعقد عليه رداء ولا غيره إلا إزاره ومنطقة وهميانا فيهما نفقة مع حاجة لعقد) منتهى الإرادات (2/ 101) وفي الإنصاف : (أما الإزار إذا لم يثبت إلا بالعقد: فله أن يعقده بلا نزاع) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (3/ 467) أما خياطة طرفي الإزار فلم أجد لهم كلاما صريحا فيه ،لكن إذا كانوا تكلموا عن تفاصيل عقد الإزار فكيف سكتوا عما هو أعظم وهو خياطة الطرفين، فهذا يدل على أنه لا يدخل أصلا في مسمى الإزار عندهم كما أسلفت . ولهذا قال في المبدع : (الرابع: لبس المخيط) في بدنه أو بعضه بما عمل على قدره إجماعا) المبدع (3/ 130) فالمخيط على قدر بعض البدن مستقر عندهم منعه. وعلى كلٍ منع التكة واضح عندهم كما تقدم، ومنه يؤخذ منع الإزار المخيط.
الخلاصة : تبين مما سبق أن الإزار المخيط بصفته المعاصرة، (مخيط الطرفين،و بتكة)، لا يجوز على المذاهب الأربعة.
كتبه / أحمد الخليل 5/1/1437 |
|
الوصلات الاضافية | ||||
عنوان الوصلة | استماع او مشاهدة | تحميل |
روابط ذات صلة

المقال السابق | المقالات المتشابهة | المقال التالي |
جديد المقالات

التغريدات
